فصل: ربيعة خاتون بنت أيوب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **


 ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين وستمائة

فيها‏:‏ سلم الصالح إسماعيل صاحب دمشق حصن شقيف أرنون لصاحب صيدا الفرنجي فاشتد الإنكار عليه بسبب ذلك من الشيخ عز الدين بن عبد السلام خطيب البلد، والشيخ أبي عمرو بن الحاجب شيخ المالكية، فاعتقلهما مدة ثم أطلقهما وألزمهما منازلهما، وولى الخطابة وتدريس الغزالية لعماد الدين داود بن عمر بن يوسف المقدسي خطيب بيت الأبار‏.‏

ثم خرج الشيخان من دمشق فقصد أبو عمرو الناصر داود بالكرك، ودخل الشيخ عز الدين الديار المصرية، فتلقاه صاحبها أيوب بالاحترام والإكرام، وولاه خطابة القاهرة وقضاء مصر، واشتغل عليه أهلها فكان ممن أخذ عنه الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد رحمهما الله تعالى‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/182‏)‏

وفيها‏:‏ قدم رسول من ملك التتار تولى بن جنكيز خان إلى ملوك الإسلام يدعوهم إلى طاعته ويأمرهم بتخريب أسوار بلدانهم‏.‏ وعنوان الكتاب‏:‏ ‏(‏من نائب رب السماء ماسح وجه الأرض ملك الشرق والغرب قان قان‏)‏‏.‏

وكان الكتاب مع رجل مسلم من أهل أصبهان لطيف الأخلاق، فأول ما ورد على شهاب الدين غازي بن العادل بميافارقين وقد أخبر بعجائب في أرضهم غريبة، منها أن في البلاد المتاخمة للسد أناسا أعينهم في مناكبهم، وأفواههم في صدورهم، يأكلون السمك وإذا رأوا أحداً من الناس هربوا‏.‏

وذكر أن عندهم بزراً ينبت الغنم يعيش الخروف منها شهرين وثلاثة، ولا يتناسل‏.‏

ومن ذلك أن بما زندران عيناً يطلع فيها كل ثلاثين سنة خشبة عظيمة مثل المنارة، فتقيم طول النهار فإذا غابت الشمس غابت في العين فلا ترى إلى مثل ذلك الوقت، وأن بعض الملوك احتال ليمسكوها بسلاسل ربطت فيها فغارت وقطعت تلك السلاسل، ثم كانت إذا طلعت ترى فيها تلك السلاسل وهي إلى الآن كذلك‏.‏

قال أبو شامة‏:‏ وفيها قلت المياه من السماء والأرض، وفسد كثير من الزرع والثمار والله أعلم‏.‏

 من الأعيان والمشاهير‏:‏

 محيي الدين بن عربي

صاحب الفصوص وغيره، محمد بن علي بن محمد ابن عربي أبو عبد الله الطائي الأندلسي، طاف البلاد وأقام بمكة مدة، وصنف فيها كتابه المسمى ب‏(‏الفتوحات المكية‏)‏ في نحو عشرين مجلداً‏.‏

فيها ما يعقل وما لا يعقل، وما ينكر وما لا ينكر، وما يعرف وما لا يعرف، وله كتابه المسمى ‏(‏بفصوص الحكم‏)‏ فيه أشياء كثيرة ظاهرها كفر صريح، وله كتاب ‏(‏العبادلة‏)‏ وديوان شعر رائق، وله مصنفات أخر كثيرة جداً وأقام بدمشق مدة طويلة قبل وفاته، وكان بنو الزكي لهم عليه اشتمال وبه احتفال ولجميع ما يقوله احتمال‏.‏

قال أبو شامة‏:‏ وله تصانيف كثيرة وعليه التصنيف سهل، وله شعر حسن وكلام طويل على طريق التصوف، وكانت له جنازة حسنة، ودفن بمقبرة القاضي محي الدين بن الزكي بقاسيون، وكانت جنازته في الثاني والعشرين من ربيع الآخر من هذه السنة‏.‏

وقال ابن السبط‏:‏ كان يقول إنه يحفظ الاسم الأعظم ويقول إنه يعرف الكيمياء بطريق المنازلة لا بطريق الكسب، وكان فاضلاً في علم التصوف، وله تصانيف كثيرة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/183‏)‏

 القاضي نجم الدين أبو العباس

أحمد بن محمد بن خلف بن راجح المقدسي الحنبلي الشافعي، المعروف بابن الحنبلي، كان شيخاً فاضلاً ديناً بارعاً في علم الخلاف، ويحفظ الجمع بين الصحيحين للحميدي، وكان متواضعاً حسن الأخلاق قد طاف البلدان يطلب العلم ثم استقر بدمشق ودرس بالفداوية والصارمية والشامية الجوانية وأم الصالح، وناب في الحكم عن جماعة من القضاة إلى أن توفي بها، وهو نائب الرفيع الجيلي، وكانت وفاته يوم الجمعة سادس شوال ودفن بقاسيون‏.‏

 ياقوت بن عبد الله أمين الدين الرولي

منسوب إلى بيت أتابك، قدم بغداد مع رسول صاحب الموصل لؤلؤ‏.‏

قال ابن الساعي‏:‏ اجتمعت به وهو شاب أديب فاضل، يكتب خطاً حسناً في غاية الجودة، وينظم شعراً جيداً، ثم روى عنه شيئاً من شعره‏.‏ قال وتوفي في جمادى الآخرة محبوساً‏.‏

 ثم دخلت سنة تسع وثلاثين وستمائة

فيها‏:‏ قصد الملك الجواد أن يدخل مصر ليكون في خدمة الصالح أيوب، فلما وصل إلى الرمل توهم منه الصالح أيوب وأرسل إليه كمال الدين ابن الشيخ ليقبض عليه، فرجع الجواد فاستجار بالناصر داود، وكان إذ ذاك بالقدس الشريف، وبعث منه جيشاً فالتقوا مع ابن الشيخ فكسروه وأسروه فوبخه الناصر داود ثم أطلقه، وأقام الجواد في خدمة الناصر حتى توهم منه فقيده وأرسله تحت الحوطة إلى بغداد، فأطلقه بطن من العرب عن قوة فلجأ إلى صاحب دمشق مدة، ثم انتقل إلى الفرنج، ثم عاد إلى دمشق فحبسه الصالح إسماعيل بعزتا إلى أن مات في سنة إحدى وأربعين كما سيأتي‏.‏

وفيها‏:‏ شرع الصالح أيوب في بناء المدارس بمصر، وبنى قلعة بالجزيرة غرم عليها شيئاً كثيراً من بيت المال، وأخذ أملاك الناس وخرب نيفاً وثلاثين مسجداً، وقطع ألف نخلة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/184‏)‏

ثم أخربها الترك في سنة إحدى وخمسين كما سيأتي بيانه‏.‏

وفيها‏:‏ ركب الملك المنصور بن إبراهيم بن الملك المجاهد صاحب حمص ومعه الحلبيون، فاقتتلوا مع الخوارزمية بأرض حران، فكسروهم ومزقوهم كل ممزق، وعادوا منصورين إلى بلادهم، فاصطلح شهاب الدين غازي صاحب ميافارقين مع الخوارزمية وآواهم إلى بلده ليكونوا من حزبه‏.‏

قال أبو شامة‏:‏ وفيها كان دخول الشيخ عز الدين إلى الديار المصرية فأكرمه صاحبها وولاه الخطابة بالقاهرة وقضاء القضاة بمصر، بعد وفاة القاضي شرف الدين المرقع ثم عزل نفسه مرتين وانقطع في بيته رحمه الله تعالى‏.‏

 قال‏:‏ وفيها‏:‏ توفي الشمس بن الخباز النحوي الضرير في سابع رجب‏.‏ والكمال بن يونس الفقيه في النصف من شعبان، وكانا فاضلي بلدهما في فنهما‏.‏

قلت أما‏:‏

 الشمس ابن الخباز

فهو أبو عبد الله أحمد بن الحسين بن أحمد بن معالي بن منصور بن علي الضرير النحوي الموصلي المعروف بابن الخباز، اشتغل بعلم العربية وحفظ المفصل والإيضاح والتكملة والعروض والحساب، وكان يحفظ المجمل في اللغة وغير ذلك، وكان شافعي المذهب كثير النوادر والملح، وله أشعار جيدة، وكانت وفاته عاشر رجب وله من العمر خمسون سنة رحمه الله تعالى‏.‏ وأما‏:‏

 الكمال بن يونس

فهو موسى بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك العقيلي، أبو الفتح الموصلي شيخ الشافعية بها، ومدرس بعدة مدارس فيها، وكانت له معرفة تامة بالأصول والفروع والمعقولات والمنطق والحكمة، ورحل إليه الطلبة من البلدان، وبلغ ثمانياً وثمانين عاماً، وله شعر حسن‏.‏

فمن ذلك ما امتدح به البدر لؤلؤ صاحب الموصل وهو قوله‏:‏

لئن زينت الدنيا بما لك أمرها * فمملكة الدنيا بكم تتشرف

بقيت بقاء الدهر أمرك نافذ * وسعيك مشكور وحكمك ينصف

كان مولده سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، وتوفي للنصف من شعبان هذه السنة رحمه الله تعالى‏.‏

قال أبو شامة‏:‏ وفيها توفي بدمشق‏:‏

 عبد الواحد الصوفي

الذي كان قساً راهباً في كنيسة مريم سبعين سنة، أسلم قبل موته بأيام‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/185‏)‏

ثم توفي شيخاً كبيراً بعد أن أقام بخانقاه السميساطية أياماً، ودفن بمقابر الصوفية، وكانت له جنازة حافلة حضرت دفنه والصلاة عليه رحمه الله تعالى‏.‏

 أبو الفضل أحمد بن اسفنديار

ابن الموفق بن أبي علي البوسنجي الواعظ شيخ رباط الأرجوانية‏.‏

قال ابن الساعي‏:‏ كان جميل الصورة حسن الأخلاق كثير التودد والتواضع، متكلماً متفوهاً منطقياً حسن العبارة جيد الوعظ طيب الإنشاد عذب الإيراد، له نظم حسن‏.‏

ثم ساق عنه قصيدة يمدح بها الخليفة المستنصر

 أبو بكر محمد بن يحيى

ابن المظفر بن علم بن نعيم المعروف بابن الحبير السلامي، شيخ عالم فاضل، كان حنبلياً ثم صار شافعياً، ودرس بعدة مدارس ببغداد للشافعية، وكان أحد المعدلين بها، تولى مباشرات كثيرة، وكان فقيهاً أصولياً عالماً بالخلاف، وتقدم ببلده وعظم كثيراً، ثم استنابه ابن فضلان بدار الحريم‏.‏

ثم صار من أمره أن درس بالنظامية وخلع عليه ببغلة، وحضر عنده الأعيان، وما زال بها حتى توفي عن ثمانين سنة، ودفن بباب حرب‏.‏

 قاضي القضاة ببغداد

أبو المعالي عبد الرحمن بن مقبل بن علي الواسطي الشافعي، اشتغل ببغداد وحصل وأعاد في بعض المدارس‏.‏

ثم استنابه قاضي القضاة عماد الدين أبو صالح نصر بن عبد الرزاق بن عبد القادر في أيام الخليفة الظاهر بن الناصر‏.‏

ثم ولي قضاء القضاة مستقلاً، ثم ولي تدريس المستنصرية بعد موت أول من درس بها محيي الدين محمد بن فضلان‏.‏

ثم عزل عن ذلك كله وعن مشيخة بعض الربط‏.‏

ثم كانت وفاته في هذا العام، وكان فاضلاً ديناً متواضعاً رحمه الله تعالى وعفا عنه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/186‏)‏

 ثم دخلت سنة أربعين وستمائة

فيها‏:‏ توفي الخليفة المستنصر بالله وخلافة ولده المستعصم بالله، فكانت وفاة الخليفة أمير المؤمنين بكرة يوم الجمعة عاشر جمادى الآخرة، وله من العمر إحدى وخمسون سنة، وأربعة أشهر وسبعة أيام، وكتم موته حتى كان الدعاء له على المنابر ذلك اليوم، وكانت مدة ولايته ست عشرة سنة وعشرة أشهر وسبعة وعشرين يوماً، ودفن بدار الخلافة‏.‏

ثم نقل إلى الترب من الرصافة‏.‏

وكان جميل الصورة حسن السريرة جيد السيرة، كثير الصدقات والبر والصلات، محسناً إلى الرعية بكل ما يقدر عليه، كان جده الناصر قد جمع ما يتحصل من الذهب في بركة في دار الخلافة، فكان يقف على حافتها ويقول‏:‏ أترى أعيش حتى أملأها، وكان المستنصر يقف على حافتها ويقول‏:‏ أترى أعيش حتى أنفقها كلها فكان يبني الربط والخانات والقناطر في الطرقات من سائر الجهات‏.‏

وقد عمل بكل محلة من محال بغداد دار ضيافة للفقراء، لا سيما في شهر رمضان، وكان يتقصد الجواري اللائي قد بلغن الأربعين فيشترين له فيعتقهن ويجهزهن ويزوجهن، وفي كل وقت يبرز صلاته ألوف متعددة من الذهب، تفرق في المحال ببغداد على ذوي الحاجات والأرامل والأيتام وغيرهم، تقبل الله تعالى منه وجزاه خيراً‏.‏

وقد وضع ببغداد المدرسة المستنصرية للمذاهب الأربعة، وجعل فيها دار حديث وحماماً ودار طب، وجعل لمستحقيها من الجوامك والأطعمة والحلاوات والفاكهة ما يحتاجون إليه في أوقاته، ووقف عليها أوقافاً عظيمة حتى قيل إن ثمن التبن من غلات ريعها يكفي المدرسة وأهلها‏.‏

ووقف فيها كتباً نفيسة ليس في الدنيا لها نظير، فكانت هذه المدرسة جمالاً لبغداد وسائر البلاد، وقد احترق في أول هذه السنة المشهدا لذي بسامرا المنسوب إلى علي الهادي والحسن العسكري، وقد كان بناه أرسلان البساسيري في أيام تغلبه على تلك النواحي، في حدود سنة خمسين وأربعمائة، فأمر الخليفة المستنصر بإعادته إلى ما كان عليه، وقد تكلمت الروافض في الاعتذار عن حريق هذا المشهد بكلام طويل بارد لا حاصل له، وصنفوا فيه أخبار وأنشدوا أشعاراً كثيرة لا معنى لها‏.‏

وهو المشهد الذي يزعمون أنه يخرج منه المنتظر الذي لا حقيقة له، فلا عين ولا أثر، ولو لم يبن لكان أجدر، وهو الحسن بن علي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن علي بن محمد بن الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بكر بلاء بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، وقبح من يغلو فيهم ويبغض بسببهم من هو أفضل منهم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/187‏)‏

وكان المستنصر رحمه الله كريماً حليماً رئيساً متودداً إلى الناس، وكان جميل الصورة حسن الأخلاق بهي المنظر، عليه نور بيت النبوة رضي الله عنه وأرضاه‏.‏

وحكى أنه اجتاز راكباً في بعض أزفة بغداد قبل غروب الشمس من رمضان، فرأى شيخاً كبيراً ومعه إناء فيه طعام قد حمله من محلة إلى محلة أخرى‏.‏

فقال‏:‏ أيها الشيخ لم لا أخذت الطعام من محلتك‏؟‏ أو أنت محتاج تأخذ من المحلتين‏؟‏ فقال‏:‏ لا والله يا سيدي - ولم يعرف أنه الخليفة - ولكني شيخ كبير، وقد نزل بي الوقت وأنا أستحي من أهل محلتي أن أزاحمهم وقت الطعام، فيشمت بي من كان يبغضني، فأنا أذهب إلى غير محلتي فآخذ الطعام وأتحين وقت كون الناس في صلاة المغرب فأدخل بالطعام إلى منزلي بحيث لا يراني أحد‏.‏

فبكى الخليفة رحمه الله وأمر له بألف دينار، فلما دفعت إليه فرح الشيخ فرحاً شديداً حتى قيل إنه انشق قلبه من شدة الفرح، ولم يعش بعد ذلك إلا عشرين يوماً‏.‏

ثم مات فخلف الألف دينار إلى الخليفة، لأنه لم يترك وارثاً‏.‏

وقد أنفق منها ديناراً واحداً، فتعجب الخليفة من ذلك وقال‏:‏ شيء قد خرجنا عنه لا يعود إلينا، تصدقوا بها على فقراء محلته، فرحمه الله تعالى‏.‏

وقد خلف من الأولاد ثلاثة، اثنان شقيقان وهما أمير المؤمنين المستعصم بالله الذي ولي الخلافة بعده وأبو أحمد عبد الله، والأمير أبو القاسم عبد العزيز وأختهما من أم أخرى كريمة صان الله حجابها‏.‏

وقد رثاه الناس بأشعار كثيرة أورد منها بن الساعي قطعة صالحة، ولم يستوزر أحداً بل أقر أبا الحسن محمد بن محمد القمي على نيابة الوزارة‏.‏

ثم كان بعده نصر الدين أبو الأزهر أحمد بن محمد الناقد الذي كان أستاذ دار الخلافة والله تعالى أعلم بالصواب‏.‏

 خلافة المستعصم بالله

أمير المؤمنين وهو آخر خلفاء بني العباس ببغداد، وهو الخليفة الشهيد الذي قتله التتار بأمر هولاكو ابن تولى ملك التتار بن جنكيز خان لعنهم الله، في سنة ست وخمسين وستمائة كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، وهو أمير المؤمنين المستعصم بالله أبو أحمد عبد الله بن أمير المؤمنين المستنصر بالله أبي جعفر المنصور بن أمير المؤمنين الظاهر بالله أبي نصر محمد بن أمير المؤمنين الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن أمير المؤمنين المستضيء بالله أبي محمد الحسن بن أمير المؤمنين المستنجد بالله أبي المظفر يوسف بن أمير المؤمنين المقتفي لأمر الله أبي عبد الله محمد بن أمير المؤمنين المستظهر بالله أبي العباس أحمد بن الخليفة المقتدي بأمر الله أبي القاسم عبد الله وبقية نسبه إلى العباس في ترجمة جده الناصر‏.‏

وهؤلاء الذين ذكرناهم كلهم ولي الخلافة يتلو بعضهم بعضاً، ولم يتفق هذا لأحد قبل المستعصم، أن في نسبه ثمانية نسقاً ولوا الخلافة لم يتخللهم أحد، وهو التاسع رحمه الله تعالى بمنه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/188‏)‏

لما توفي أبوه بكرة الجمعة عاشر جمادى الآخرة من سنة أربعين وستمائة استدعى هو من التاج يومئذ بعد الصلاة فبويع بالخلافة، ولقب بالمستعصم، وله من الأمر يومئذ ثلاثون سنة وشهور، وقد أتقن في شبيبته تلاوة القرآن حفظاً وتجويداً‏.‏

وأتقن العربية والخط الحسن وغير ذلك من الفضائل على الشيخ شمس الدين أبي المظفر علي بن محمد بن النيار أحد أئمة الشافعية في زمانه، وقد أكرمه وأحسن إليه في خلافته، وكان المستعصم على ما ذكر كثير التلاوة حسن الأداء طيب الصوت، يظهر عليه خشوع وإنابة، وقد نظر في شيء من التفسير وحل المشكلات‏.‏

وكان مشهوراً بالخير مشكوراً مقتدياً بأبيه المستنصر جهده وطاقته، وقد مشت الأمور في أيامه على السداد والاستقامة بحمد الله‏.‏

وكان القائم بهذه البيعة المستعصمية شرف الدين أبو الفضائل إقبال المستنصري، فبايعه أولاً بنو عمه وأهله من بني العباس، ثم أعيان الدولة من الأمراء والوزراء والقضاة والعلماء والفقهاء ومن بعدهم من أولي الحل والعقد والعامة، وغيرهم وكان يوماً مشهوداً ومجمعاً محموداً ورأياً سعيداً وأمراً حميداً، وجاءت البيعة من سائر الجهات والأقطار والبلدان والأمصار، وخطب له في سائر البلدان، والأقاليم والرساتيق، وعلى سائر المنابر شرقاً وغرباً، بعداً وقرباً كما كان أبوه وأجداده، رحمهم الله أجمعين‏.‏

وفيها‏:‏ وقع من الحوادث أنه كان بالعراق وباء شديد في آخر أيام المستنصر وغلا السكر والأدوية فتصدق الخليفة المستنصر بالله رحمه الله بسكر كثير على المرضى، تقبل الله منه‏.‏

وفي يوم الجمعة رابع عشر شعبان أذن الخليفة المستعصم بالله لأبي الفرج عبد الرحمن بن محيي الدين يوسف ابن الشيخ أبي الفرج بن الجوزي - وكان شاباً ظريفاً فاضلاً - في الوعظ بباب البدرية، فتكلم وأجاد وأفاد وامتدح الخليفة المستعصم بقصيدة طويلة فصيحة، سردها ابن الساعي بكمالها، ومن يشابه أباه فما ظلم، والشبل في المخبر مثل الأسد‏.‏

وفيها‏:‏ كانت وقعة عظيمة بين الحلبيين وبين الخوارزمية، ومع الخوارزمية شهاب الدين غازي صاحب ميافارقين، فكسرهم الحلبيون كسرة عظيمة منكرة، وغنموا من أموالهم شيئاً كثيراً جداً، ونهبت نصيبين مرة أخرى، وهذه سابع عشر مرة نهبت في هذه السنين، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

وعاد الغازي إلى ميا فارقين وتفرقت الخوارزمية يفسدون في الأرض صحبة مقدمهم بركات خان، لا بارك الله فيه، وقدم على الشهاب غازي منشور بمدينة خلاط فتسلمها وما فيها من الحواصل‏.‏

وفيها عزم الصالح أيوب صاحب مصر على دخول الشام فقيل له إن العساكر مختلفة فجهز عسكراً إليها وأقام هو بمصر يدير مملكتها‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/189‏)‏

 من الأعيان‏:‏

 المستنصر بالله

أمير المؤمنين كما تقدم‏.‏ والحرمة المصونة الجليلة‏:‏

 خاتون بنت عز الدين مسعود

ابن مودود بن زنكي بن آقسنقر الأتابكية واقفة المدرسة الأتابكية بالصالحية، وكانت زوجة السلطان الملك الأشرف رحمه الله وفي ليلة وفاتها كانت وقفت مدرستها وتربتها بالجبل قاله أبو شامة‏:‏ ودفنت بها رحمها الله تعالى وتقبل منها‏.‏

 ثم دخلت سنة إحدى وأربعين وستمائة

فيها ترددت الرسل بين الصالح أيوب صاحب مصر وبين عمه الصالح إسماعيل صاحب دمشق، على أن يرد إليه ولده المغيث عمر بن الصالح أيوب المعتقل في قلعة دمشق، وتستقر دمشق في يد الصالح إسماعيل، فوقع الصلح على ذلك، وخطب للصالح أيوب بدمشق، فخاف الوزير أمين الدولة أبو الحسن غزال المسلماني، وزير الصالح إسماعيل من غائلة هذا الأمر، فقال لمخدومه‏:‏ لا ترد هذا الغلام لأبيه تخرج البلاد من يدك، هذا خاتم سليمان بيدك للبلاد، فعند ذلك أبطل ما كان وقع من الصلح ورد الغلام إلى القلعة، وقطعت الخطبة للصالح أيوب، ووقعت الوحشة بين الملكين، وأرسل الصالح أيوب إلى الخوارزمية يستحضرهم لحصار دمشق فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

وكانت الخوارزمية قد فتحوا في هذه السنة بلاد الروم وأخذوها من أيدي ملكها ابن علاء الدين، وكان قليل العقل يلعب بالكلاب والسباع، ويسلطها على الناس، فاتفق أنه عضه سبع فمات فتغلبوا على البلاد حينئذ‏.‏

وفيها‏:‏ احتيط على أعوان القاضي الرفيع الجيلي، وضرب بعضهم بالمقارع، وصودروا ورسم على القاضي الرفيع بالمدرسة المقدمية داخل باب الفراديس، ثم أخرج ليلاً وذهب به فسجن بمغارة أفقه من نواحي البقاع، ثم انقطع خبره‏.‏

وذكر أبو شامة‏:‏ أنه توفي، ومنهم من قال إنه ألقى من شاهق، ومنهم من قال خنق، وذلك كله بذي الحجة من هذه السنة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/190‏)‏

وفي يوم الجمعة الخامس والعشرين منه قرئ منشور ولاية القضاء بدمشق لمحي الدين بن محمد بن علي بن محمد بن يحيى القرشي، بالشباك الكمالي من الجامع، كذا قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة‏.‏ وزعم السبط أن عزله إنما كان في السنة الآتية، وذكر أن سبب هلاكه أنه كتب إلى الملك الصالح يقول له‏:‏ إنه قد أورد إلى خزانته من الأموال ألف ألف دينار من أموال الناس‏.‏ فأنكر الصالح ذلك، ورد عليه الجواب أنه لم يرد سوى ألف ألف درهم، فأرسل القاضي يقول فأنا أحاقق الوزير، وكان الصالح لا يخالف الوزير، فأشار حينئذ على الصالح فعزله لتبرأ ساحة السلطان من شناعات الناس، فعزله وكان من أمره ما كان‏.‏

وفوض أمر مدارسه إلى الشيخ تقي الدين ابن الصلاح فعين العادلية للكمال التفليسي، والعذراوية لمحي الدين بن الزكي الذي ولي القضاء بعده، والأمينية لابن عبد الكافي، والشامية البرانية للتقي الحموي، وغيب القاضي الرفيع وأسقط عدالة شهوده‏.‏

قال السبط‏:‏ أرسله الأمين مع جماعة على بغل بأكاف لبعض النصارى إلى مغارة أفقه في جبل لبنان من ناحية الساحل، فأقام بها أياماً ثم أرسل إليه عدلين من بعلبك ليشهدا عليه ببيع أملاكه من أمين الدولة، فذكرا أنهما شاهداه وعليه يخفيفة وقندورة، وأنه استطعمهما شيئاً من الزاد وذكر أن له ثلاثة أيام لم يأكل شيئاً، فأطعماه من زوادتهما وشهدا عليه وانصرفا، ثم جاءه داود النصراني فقال له‏:‏ قم فقد أمرنا بحملك إلى بعلبك، فأيقن بالهلاك حينئذ، فقال‏:‏ دعوني أصلي ركعتين‏.‏

فقال له‏:‏ قم فقام يصلي فأطال الصلاة فرفسه النصراني فألقاه من رأس الجبل إلى أسفل الوادي الذي هناك، فما وصل حتى تقطع وحكي أنه تعلق ذيله بسن الجبل فما زال داود يرميه بالحجارة حتى ألقاه إلى أسفل الوادي، وذلك عند السقيف المطل على نهر إبراهيم‏.‏

قال السبط‏:‏ وقد كان فاسد العقيدة دهرياً مستهزئاً بأمور الشرع، يخرج إلى المجلس سكراناً ويحضر إلى الجمعة كذلك، وكانت داره كالحانات‏.‏

فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قال‏:‏ وأخذ الموفق الواسطي أحد أمنائه - وكان من أكبر البلايا - أخذ لنفسه من أموال الناس ستمائة ألف درهم، فعوقب عقوبة عظيمة حتى أخذت منه، وقد كسرت ساقاه ومات تحت الضرب، فألقي في مقابر اليهود والنصارى، وأكلته الكلاب‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 الشيخ شمس الدين أبو الفتوح

أسعد بن المنجى التنوخي المعري الحنبلي، قاضي حران قديماً، ثم قدم دمشق ودرس بالمسمارية وتولى خدماً في الدولة المعظمية، وكانت له رواية عن ابن صابر والقاضيين الشهرزوري وابن أبي عصرون، وكانت وفاته في سابع ربيع الأول من هذه السنة رحمه الله تعالى‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/191‏)‏

 الشيخ الحافظ الصالح

تقي الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الأزهر الصريفيني، كان يدري الحديث وله به معرفة جيدة، أثنى عليه أبو شامة وصلي عليه بجامع دمشق ودفن بقاسيون رحمه الله‏.‏

 واقف الكروسية

محمد بن عقيل بن كروس، جمال الدين محتسب دمشق، كان كيساً متواضعاً، توفي بدمشق في شوال، ودفن بداره التي جعلها مدرسة، وله دار حديث رحمه الله تعالى وعفا عنه‏.‏

 الملك الجواد يونس بن ممدود

ابن العادل أبي بكر بن أيوب الملك الجواد، وكان أبوه أكبر أولاد العادل، تقلبت به الأحوال وملك دمشق بعد عمه الكامل محمد بن العادل، وكان في نفسه جيداً محباً للصالحين، ولكن كان في بابه من يظلم الناس وينسب ذلك إليه، فأبغضته العامة وسبوه وألجؤوه إلى أن قايض بدمشق الملك الصالح أيوب بن الكامل إلى سنجار وحصن كيفا، ثم لم يحفظهما بل خرجتا عن يده، ثم آل به الحال إلى أن سجنه الصالح إسماعيل بحصن عزتا، حتى كانت وفاته في هذه السنة، ونقل في شوال إلى تربة المعظم بسفح قاسيون، وكان عنده ابن يغمور معتقلاً فحوله الصالح إسماعيل إلى قلعة دمشق، فلما ملكها الصالح أيوب نقله إلى الديار المصرية وشنقه مع الأمين غزال وزير الصالح إسماعيل، على قلعة القاهرة، جزاء على صنعهما في حق الصالح أيوب رحمه الله تعالى‏.‏

أما ابن يغمور فإنه عمل عليه حتى حول ملك دمشق إلى الصالح إسماعيل، وأما أمين الدولة فإنه منع الصالح من تسليم ولده عمر إلى أبيه فانتقم منهما بهذا، وهو معذور بذلك‏.‏

 مسعود بن أحمد بن مسعود

ابن مازه المحاربي أحد الفقهاء الحنفية الفضلاء، وله علم بالتفسير وعلم الحديث، ولديه فضل غزير، قدم بغداد صحبة رسول التتار للحج، فحبس مدة سنين ثم أفرج عنه، فحج ثم عاد، فمات ببغداد في هذه السنة، رحمه الله تعالى‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/192‏)‏

 أبو الحسن علي بن يحيى بن الحسن

ابن الحسين بن علي بن محمد البطريق بن نصر بن حمدون بن ثابت الأسدي الحلي، ثم الواسطي، ثم البغدادي، الكاتب الشاعر الشيعي، فقيه الشيعة‏.‏

أقام بدمشق مدة وامتدح كثيراً من الأمراء والملوك، منهم الكامل صاحب مصر وغيره، ثم عاد إلى بغداد فكان يشغل الشيعة في مذهبهم، وكان فاضلاً ذكياً جيداً النظم والنثر، لكنه مخذول محجوب عن الحق‏.‏

وقد أورد ابن الساعي قطعة جيدة من أشعاره الدالة على غزارة مادته في العلم والذكاء رحمه الله وعفا عنه‏.‏

 ثم دخلت سنة أثنين وأربعين وستمائة

فيها استوزر الخليفة المستعصم بالله مؤيد الدين أبا طالب محمد بن أحمد بن علي بن محمد العلقمي المشؤوم على نفسه، وعلى أهل بغداد، الذي لم يعصم المستعصم في وزارته، فإنه لم يكن وزير صدق ولا مرضي الطريقة، فإنه هو الذي أعان على المسلمين في قضية هولاكو وجنوده قبحه الله وإياهم‏.‏ وقد كان ابن العلقمي قبل هذه الوزارة أستاذ دار الخلافة، فلما مات نصر الدين محمد بن الناقد استوزر ابن العلقمي وجعل مكانه في الاستادارية الشيخ محيي الدين يوسف بن أبي الفرج بن الجوزي وكان من خيار الناس، وهو واقف الجوزية التي بالنشابين بدمشق تقبل الله منه‏.‏

وفيها‏:‏ جعل الشيخ شمس الدين علي بن محمد بن الحسين بن النيار مؤدب الخليفة شيخ الشيوخ ببغداد، وخلع عليه، ووكل الخليفة عبد الوهاب ابن المطهر وكالة مطلقة، وخلع عليه‏.‏

وفيها‏:‏ كانت وقعة عظيمة بين الخوارزمية الذين كان الصالح أيوب صاحب مصر استقدمهم ليستنجد بهم على الصالح إسماعيل أبي الحسن صاحب دمشق، فنزلوا على غزة وأرسل إليهم الصالح أيوب الخلع والأموال والأقمشة والعساكر، فاتفق الصالح إسماعيل والناصر داود صاحب الكرك، والمنصور صاحب حمص، مع الفرنج واقتتلوا مع الخوارزمية قتالاً شديداً، فهزمتهم الخوارزمية كسرة منكرة فظيعة، هزمت الفرنج بصلبانها وراياتها العالية، على رؤس أطلاب المسلمين، وكانت كوؤس الخمر دائرة بين الجيوش فنابت كوؤس المنون عن كوؤس الزرجون‏.‏

فقتل من الفرنج في يوم واحد زيادة عن ثلاثين ألف، وأسروا جماعة من ملوكهم وقسوسهم وأساقفتهم، وخلقاً من أمراء المسلمين وبعثوا بالأسارى إلى الصالح أيوب بمصر، وكان يومئذ يوماً مشهوداً وأمراً محموداً ولله الحمد‏.‏

وقد قال بعض أمراء المسلمين‏:‏ قد علمت أنا لما وقفنا تحت صلبان الفرنج أنا لا نفلح‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/193‏)‏

وغنمت الخوارزمية من الفرنج ومن كان معهم شيئاً كثيراً، وأرسل الصالح أيوب إلى دمشق ليحاصرها، فحصنها الصالح إسماعيل وخرب من حولها رباعاً كثيرة، وكسر جسر باب توما فسار النهر فتراجع الماء حتى صار بحيرة من باب توما وباب السلامة، فغرق جميع ما كان بينهما من العمران، وافتقر كثير من الناس، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 الملك المغيث عمر بن الصالح أيوب

كان الصالح إسماعيل قد أسره وسجنه في برج قلعة دمشق، حين أخذها في غيبة الصالح أيوب‏.‏

فاجتهد أبوه بكل ممكن في خلاصه فلم يقدر وعارضه فيه أمين الدولة غزال المسلماني، واقف المدرسة الأمينية التي ببعلبك، فلم يزل الشاب محبوساً في القلعة من سنة ثمان وثلاثين إلى ليلة الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر من هذه السنة، فأصبح ميتاً في محبسه غماً وحزناً، ويقال إنه قتل فالله أعلم‏.‏

وكان من خيار أبناء الملوك، وأحسنهم شكلاً، وأكملهم عقلاً‏.‏ ودفن عند جده الكامل في تربته شمالي الجامع، فاشتد حنق أبيه الصالح أيوب على صاحب دمشق‏.‏

شيخ الشيوخ بدمشق‏:‏

 تاج الدين أبو عبد الله بن عمر بن حمويه

أحد الفضلاء المؤرخين المصنفين، له كتاب في ثماني مجلدات، ذكر فيه أصول وله السياسة الملوكية صنفها للكامل محمد وغير ذلك، وسمع الحديث وحفظ القرآن، وكان قد بلغ الثمانين، وقيل إنه لم يبلغها، وقد سافر إلى بلاد المغرب في سنة ثلاث وتسعين، واتصل بمراكش عند ملكها المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن، فأقام هناك إلى سنة ستمائة، فقدم إلى ديار مصر وولى مشيخة الشيوخ بعد أخيه صدر الدين بن حمويه رحمه الله تعالى‏.‏

 الوزير نصر الدين أبو الأزهر

أحمد بن محمد بن علي بن أحمد الناقد البغدادي وزير المستنصر ثم ابنه المستعصم، كان من أبناء التجار، ثم توصل إلى أن وزر لهذين الخليفتين، وكان فاضلاً بارعاً حافظاً للقرآن كثير التلاوة، نشأ في حشمة باذخة، ثم كان في وجاهة هائلة، وقد أقعد في آخر أمره، وهو مع هذا في غاية الاحترام والإكرام‏.‏

وله أشعار حسنة أورد منها ابن الساعي قطعة صالحة، توفي في هذه السنة وقد جاوز الخمسين رحمه الله تعالى‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/194‏)‏

 نقيب النقباء خطيب الخطباء

وكيل الخلفاء أبو طالب الحسين بن أحمد بن علي بن أحمد بن معين بن هبة الله بن محمد بن علي ابن الخليفة المهتدي بالله العباسي، كان من سادات العباسيين وأئمة المسلمين، وخطباء المؤمنين، استمرت أحواله على السداد والصلاح، لم ينقطع قط عن الخطابة ولم يمرض قط حتى كانت ليلة السبت الثامن والعشرين من هذه السنة، قام في أثناء الليل لبعض حاجاته فسقط على أم رأسه، فسقط من فمه دم كثير وسكت فلم ينطق كلمة واحدة يومه ذلك إلى الليل، فمات وكانت له جنازة حافلة، رحمه الله تعالى وعفا عنه بمنه وكرمه‏.‏

 ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين وستمائة

وهي سنة الخوارزمية، وذلك أن الصالح أيوب بن الكامل صاحب مصر بعث الخوارزمية ومعهم ملكهم بركات خان في صحبة معين الدين ابن الشيخ فأحاطوا بدمشق يحاصرون عمه الصالح أبا الجيش صاحب دمشق، وحرق قصر حجاج، وحكر السماق، وجامع جراح خارج باب الصغير، ومساجد كثيرة‏.‏

ونصب المنجنيق عند باب الصغير وعند باب الجابية، ونصب من داخل البلد منجنيقان أيضاً، وترآى الفريقان وأرسل الصالح إسماعيل إلى الأمير معين الدين بن الشيخ بسجادة وعكاز وإبريق وأرسل يقول‏:‏

اشتغالك بهذا أولى من اشتغالك بمحاصرة الملوك‏.‏

فأرسل إليه المعين بزمر وجنك وغلالة حرير أحمر وأصفر، وأرسل يقول‏:‏

أما السجادة فإنها تصلح لي، وأما أنت فهذا أولى بك‏.‏

ثم أصبح ابن الشيخ فاشتد الحصار بدمشق، وأرسل الصالح إسماعيل فأحرق جوسق قصر والده العادل، وامتد الحريق في زقاق الرمان إلى العقبية فأحرقت بأسرها، وقطعت الأنهار وغلت الأسعار، وأخيفت الطرق وجرى بدمشق أمور بشعة جداً، لم يتم عليها قط‏.‏

وامتد الحصار شهوراً من هذه السنة إلى جمادى الأولى، فأرسل أمين الدولة يطلب من ابن الشيخ شيئاً من ملابسه، فأرسل إليه بفرجية وعمامة وقميص ومنديل، فلبس ذلك الأمين وخرج إلى معين الدين، فاجتمع به بعد العشاء طويلاً، ثم عاد ثم خرج مرة أخرى‏.‏

فاتفق الحال على أن يخرج الصالح إسماعيل إلى بعلبك ويسلم دمشق إلى الصالح أيوب، فاستبشر الناس بذلك وأصبح الصالح إسماعيل خارجاً إلى بعلبك ودخل معين الدين ابن الشيخ فنزل في دار أسامة، فولي وعزل وقطع ووصل، وفوض قضاء القضاة إلى صدر الدين بن سني الدولة وعزل القاضي محي الدين بن الزكي، واستناب ابن سني الدولة التفليسي الذي ناب لابن الزكي والفرز السنجاري، وأرسل معين الدين ابن الشيخ أمين الدولة غزال ابن المسلماني وزير الصالح إسماعيل تحت الحوطة إلى الديار المصرية‏.‏

وأما الخوارزمية فإنهم لم يكونوا حاضرين وقت الصلح، فلما علموا بوقوع الصلح غضبوا وساروا نحو داريا فنهبوها وساقوا نحو بلاد الشرق، وكاتبوا الصالح إسماعيل فحالفوه على الصالح أيوب، ففرح بذلك ونقض الصلح الذي كان وقع منه‏.‏

وعادت الخوارزمية فحاصروا دمشق، وجاء إليهم الصالح إسماعيل من بعلبك فضاق الحال على الدماشقة، فعدمت الأموال وغلت الأسعار جداً، حتى إنه بلغ ثمن الغرارة ألف وستمائة، وقنطار الدقيق تسعمائة، والخبز كل وقيتين إلا ربع بدرهم، ورطل اللحم بسبعة وبيعت الأملاك بالدقيق، وأكلت القطاط والكلاب والميتات والجيفات، وتماوت الناس في الطرقات وعجزوا عن التغسيل والتكفين والإقبار فكانوا يلقون موتاهم في الآبار حتى أنتنت المدينة وضجر الناس فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/195‏)‏

وفي هذه الأيام توفي الشيخ تقي الدين ابن الصلاح شيخ دار الحديث وغيرها من المدارس، فما أخرج من باب الفرج إلا بعد جهد جهيد، ودفن بالصوفية رحمه الله‏.‏

قال ابن السبط‏:‏ ومع هذا كانت الخمور دائرة والفسق ظاهراً، والمكوس بحالها‏.‏ وذكر الشيخ شهاب الدين‏:‏ أن الأسعار غلت في هذه السنة جداً، وهلك الصعاليك بالطرقات، كانوا يسألون لقمة ثم صاروا يسألون لبابة ثم تنازلوا إلى فلس يشترون به نخالة يبلونها ويأكلونها، كالدجاج‏.‏

قال‏:‏ وأنا شاهدت ذلك‏.‏

وذكر تفاصيل الأسعار وغلاءها في الأطعمة وغيرها، ثم زال هذا كله في آخر السنة بعد عيد الأضحى ولله الحمد‏.‏

ولما بلغ الصالح أيوب أن الخوارزمية قد مالؤا عليه وصالحوا عمه الصالح إسماعيل، كاتب الملك المنصور إبراهيم بن أسد الدين شيركوه صاحب حمص، فاستماله إليه وقوي جانب نائب دمشق معين الدين حسين ابن الشيخ، ولكنه توفي في رمضان من هذه السنة كما سيأتي في الوفيات‏.‏

ولما رجع المنصور صاحب حمص عن موالاة الصالح إسماعيل شرع في جمع الجيوش من الحلبيين والتركمان والأعراب لاستنقاذ دمشق من الخوارزمية، وحصارهم إياها، فبلغ ذلك الخوارزمية فخافوا من غائلة ذلك، وقالوا‏:‏ دمشق ما تفوت، والمصلحة قتاله عند بلده‏.‏

فساورا إلى بحيرة حمص، وأرسل الناصر داود جيشه إلى الصالح إسماعيل مع الخوارزمية، وساق جيش دمشق فانضافوا إلى صاحب حمص، والتقوا مع الخوارزمية عند بحيرة حمص، وكان يوماً مشهوداً، قتل فيه عامة الخوارزمية، وقتل ملكهم بركات خان، وجيء برأسه على رمح، فتفرق شملهم وتمزقوا شذر مذر‏.‏

وساق المنصور صاحب حمص إلى بعلبك فتسلمها الصالح أيوب، وجاء إلى دمشق فنزل ببستان سامة خدمة للصالح أيوب، ثم حدثته نفسه بأخذها فاتفق مرضه، فمات رحمه الله في السنة الآتية، ونقل إلى حمص، فكانت مدة ملكه بعد أبيه عشر سنين‏.‏

وقام من بعده فيها ابنه الملك الأشرف مدة سنتين، ثم أخذت منه على ما سيأتي وتسلم نواب الصالح أيوب بعلبك وبصرى، ولم يبق بيد الصالح إسماعيل بلد يأوي إليه ولا أهل ولا ولد ولا مال؛ بل أخذت جميع أمواله ونقلت عياله تحت الحوطة إلى الديار المصرية‏.‏

وسار هو فاستجار بالملك الناصر بن العزيز بن الظاهر غازي صاحب حلب، فآواه وأكرمه واحترمه، وقال الأتابك لؤلؤ الحلبي لابن أستاذه الناصر، وكان شاباً صغيراً‏:‏ انظر إلى عاقبة الظلم‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 13/196‏)‏

وأما الخوارزمية فإنهم ساروا إلى ناحية الكرك فأكرمهم الناصر داود صاحبها، وأحسن إليهم وصاهرهم وأنزلهم بالصلت فأخذوا معها نابلس، فأرسل إليهم الصالح أيوب جيشاً مع فخر الدين ابن الشيخ فكسرهم على الصلت وأجلاهم عن تلك البلاد، وحاصر الناصر بالكرك وأهانه غاية الإهانة، وقدم الملك الصالح نجم الدين أيوب من الديار المصرية فدخل دمشق في أبهة عظيمة، وأحسن إلى أهلها، وتصدق على الفقراء والمساكين، وسار إلى بعلبك وإلى بصرى وإلى صرخد، فتسلمها من صاحبها عز الدين أيبك المعظمي، وعوضه عنها ثم عاد إلى مصر مؤيداً منصوراً‏.‏ وهذا كله في السنة الآتية‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ كانت وقعة عظيمة بين جيش الخليفة وبين التتار لعنهم الله، فكسرهم المسلمون كسرة عظيمة وفرقوا شملهم، وهزموا من بين أيديهم، فلم يلحقوهم ولم يتبعوهم، خوفاً من غائلة مكرهم وعملاً بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏اتركوا الترك ما تركوكم‏)‏‏)‏‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ ظهر ببلاد خوزستان على شق جبل داخله من الأبنية الغريبة العجيبة ما يحار فيه الناظر، وقد قيل‏:‏ إن ذلك من بناء الجن‏.‏

وأورد صفته ابن الساعي في تاريخه‏.‏

 وممن توفي في هذه السنة من الأعيان‏:‏

 الشيخ تقي الدين ابن الصلاح

عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الإمام العلامة، مفتي الشام ومحدثها، الشهرزوري ثم الدمشقي، سمع الحديث ببلاد الشرق وتفقه هنالك بالموصل وحلب وغيرها، وكان أبوه مدرساً بالأسدية التي بحلب، وواقفها أسد الدين شيركوه ابن شاذي، وقدم هو الشام وهو في عداد الفضلاء الكبار‏.‏

وأقام بالقدس مدة ودرس بالصلاحية، ثم تحول منه إلى دمشق، ودرس بالرواحية ثم بدار الحديث الأشرفية، وهو أول من وليها من شيوخ الحديث، وهو الذي صنف كتاب وقفها‏.‏

ثم بالشامية الجوانية، وقد صنف كتباً كثيرة مفيدة في علوم الحديث والفقه، وله تعاليق حسنة على الوسيط وغيره من الفوائد التي يرحل إليها‏.‏

وكان ديناً زاهداً ورعاً ناسكاً على طريق السلف الصالح، كما هو طريقة متأخري أكثر المحدثين، مع الفضيلة التامة في فنون كثيرة، ولم يزل على طريقة جيدة حتى كانت وفاته بمنزله في دار الحديث الأشرفية ليلة الأربعاء الخامس والعشرين من ربيع الآخر من سنة ثلاث وأربعين وستمائة‏.‏

وصلّي عليه بجامع دمشق وشيعه الناس إلى داخل باب الفرج، ولم يمكنهم البروز لظاهره لحصار الخوارزمية، وما صحبه إلى جبانة الصوفية إلا نحو العشرة رحمه الله وتغمده برضوانه‏.‏

وقد أثنى عليه القاضي شمس الدين بن خلكان، وكان من شيوخه‏.‏

قال السبط‏:‏ أنشدني الشيخ تقي الدين من لفظه رحمه الله‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/197‏)‏

احذر من الواوات أربعة * فهن من الحتوف

واو الوصية والوديعة * والوكالة والوقوف

وحكى ابن خلكان عنه أنه قال‏:‏ ألهمت في المنام هؤلاء الكلمات‏:‏ ادفع المسألة ما وجدت التحمل يمكنك فإن لكل يوم رزقاً جديداً، والإلحاح في الطلب يذهب البهاء، وما أقرب الصنيع من الملهوف، وربما كان العسر نوعاً من آداب الله، والحظوظ مراتب، فلا تعجل على ثمرة قبل أن تدرك، فإنك ستنالها في أوانها، ولا تعجل في حوائجك فتضيق بها ذرعاً، ويغشاك القنوط‏.‏

 ابن النجار الحافظ صاحب التاريخ

محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله بن محاسن ابن النجار، أبو عبد الله البغدادي الحافظ الكبير، سمع الكثير ورحل شرقاً وغرباً، ولد سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، وشرع في كتابة التاريخ وعمره خمسة عشر سنة، والقراءات وقرأ بنفسه على المشايخ كثيراً حتى حصل نحواً من ثلاثة آلاف شيخ، من ذلك نحو من أربعمائة امرأة، وتغرب ثمانياً وعشرين سنة‏.‏

ثم جاء إلى بغداد وقد جمع أشياء كثيرة، من ذلك ‏(‏القمر المنير في المسند الكبير‏)‏، يذكر لكل صحابي ما روى‏.‏

و‏(‏كنز الأيام‏)‏ في معرفة السنن والأحكام، و‏(‏المختلف والمؤتلف‏)‏، و‏(‏السابق واللاحق‏)‏ و‏(‏المتفق والمفترق‏)‏ وكتاب ‏(‏الألقاب‏)‏، و‏(‏نهج الإصابة في معرفة الصحابة‏)‏، و‏(‏الكافي‏)‏ في أسماء الرجال، وغير ذلك مما لم يتم أكثره وله كتاب ‏(‏الذيل‏)‏ على تاريخ مدينة السلام، في ستة عشر مجلداً كاملاً‏.‏

وله أخبار مكة ولمدينة وبيت المقدس وغرر الفوائد في خمس مجلدات، وأشياء كثيرة جداً سردها ابن الساعي في ترجمته، وذكر أنه لما عاد إلى بغداد عرض عليه الإقامة في المدارس فأبى وقال‏:‏ معي ما أستغني به عن ذلك فأشتري جارية وأولدها وأقام برهة ينفق مدة على نفسه من كيسه‏.‏

ثم احتاج إلى أن نزل محدثاً في جماعة المحدثين بالمدرسة المستنصرية حين وضعت‏.‏

ثم مرض شهرين وأوصى إلى ابن الساعي في أمر تركته وكانت وفاته يوم الثلاثاء الخامس من شعبان من هذه السنة، وله من العمر خمس وسبعون سنة وصلّي عليه بالمدرسة النظامية، وشهد جنازته خلق كثير، وكان ينادي حول جنازته هذا حافظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي كان ينفي الكذب عنه‏.‏

ولم يترك وارثاً، وكانت تركته عشرين ديناراً وثياب بدنه، وأوصى أن يتصدق بها، ووقف خزانتين من الكتب بالنظامية تساوي ألف دينار، فأمضى ذلك الخليفة المستعصم، وقد أثنى عليه الناس ورثوه بمراث كثيرة، سردها ابن الساعي في آخر ترجمته‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/198‏)‏

 الحافظ ضياء الدين المقدسي

ابن الحافظ محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل سمع الحديث الكثير وكتب كثيراً وطوف وجمع وصنف وألف كتباً مفيدة حسنة كثيرة الفوائد، من ذلك كتاب ‏(‏الأحكام‏)‏ ولم يتمه، وكتاب ‏(‏المختارة‏)‏ وفيه علوم حسنة حديثية، وهي أجود من ‏(‏مستدرك الحاكم‏)‏ لو كمل، وله ‏(‏فضائل الأعمال‏)‏ وغير ذلك من الكتب الحسنة الدالة على حفظه واطلاعه وتضلعه من علوم الحديث متناً وإسناداً‏.‏

وكان رحمه الله في غاية العبادة والزهادة والورع والخير، وقد وقف كتباً كثيرة عظيمة لخزانة المدرسة الضيائية التي وقفها على أصحابهم من المحدثين والفقهاء، وقد وقفت عليها أوقاف أخر كثيرة بعد ذلك‏.‏

 الشيخ علم الدين أبو الحسن السخاوي

علي بن محمد بن عبد الصمد بن عبد الأحد بن عبد الغالب الهمذاني المصري، ثم الدمشقي شيخ القراء بدمشق، ختم عليه ألوف من الناس، وكان قد قرأ على الشاطبي وشرح قصيدته، وله شرح المفصل وله تفاسير وتصانيف كثيرة، ومدائح في رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وكانت له حلقة بجامع دمشق، وولي مشيخة الإقراء بتربة أم الصالح، وبها كان مسكنه وبه توفي ليلة الأحد ثاني عشر جمادى الآخرة، ودفن بقاسيون‏.‏

وذكر القاضي ابن خلكان أن مولده في سنة ثمان وخمسين وخمسمائة وذكر من شعره قوله‏:‏

قالوا غدا نأتي ديار الحمى * وينزل الركب بمغناهم

وكل من كان مطيعاً لهم * أصبح مسرورا بلقياهم

قلت فلي ذنب فما حيلتي * بأي وجه أتلقاهم

قالوا أليس العفو من شأنهم * لا سيما عمن ترجاهم

 ربيعة خاتون بنت أيوب

أخت السلطان صلاح الدين، زوجها أخوها أولاً بالأمير سعد الدين مسعود بن معين الدين وتزوج هو بأخته عصمة الدين خاتون، التي كانت زوجة الملك نور الدين واقفة الخاتونية الجوانية، والخانقاه البرانية‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/199‏)‏

ثم لما مات الأمير سعد الدين زوجها من الملك مظفر الدين صاحب إربل، فأقامت عنده بإربل أزيد من أربعين سنة حتى مات‏.‏

ثم قدمت دمشق فسكنت بدار العقيقي حتى كانت وفاتها في هذه السنة وقد جاوزت الثمانين، ودفنت بقاسيون، وكانت في خدمتها الشيخة الصالحة العالمة أمة اللطيف بنت الناصح الحنبلي، وكانت فاضلة، ولها تصانيف، وهي التي أرشدتها إلى وقف المدرسة بسفح قاسيون على الحنابلة‏.‏

ووقفت أمة اللطيف على الحنابلة مدرسة أخرى وهي الآن شرقي الرباط الناصري‏.‏

ثم لما ماتت الخاتون وقعت العالمة بالمصادرات وحبست مدة ثم أفرح عنها وتزوجها الأشرف صاحب حمص، وسافرت معه إلى الرحبة وتل راشد، ثم توفيت في سنة ثلاث وخمسين، ووجد لها بدمشق ذخائر كثيرة وجواهر ثمينة، تقارب ستمائة ألف درهم، غير الأملاك والأوقاف رحمها الله تعالى‏.‏

 معين الدين الحسن بن شيخ الشيوخ

وزير الصالح نجم الدين أيوب، أرسله إلى دمشق فحاصرها مع الخوارزمية أول مرة حتى أخذها من يد الصالح إسماعيل، وأقام بها نائباً من جهة الصالح أيوب‏.‏

ثم مالأ الخوارزمية مع الصالح إسماعيل عليه فحصروه بدمشق، ثم كانت وفاته في العشر الأخر من رمضان هذه السنة، عن ست وخمسين سنة، فكانت مدة ولايته بدمشق أربعة أشهر ونصف، وصلّي عليه بجامع دمشق، ودفن بقاسيون إلى جانب أخيه عماد الدين‏.‏

وفيها‏:‏ كانت وفاة وقاف القليجية للحنفية

وهو الأمير‏:‏

 سيف الدين بن قلج

ودفن بتربته التي بمدرسته المذكورة، التي كانت سكنه بدار فلوس تقبل الله تعالى منه‏.‏

وخطيب الجبل شرف الدين عبد الله بن الشيخ أبي عمر رحمه الله‏.‏

والسيف أحمد بن عيسى بن الإمام موفق الدين بن قدامة‏.‏

وفيها‏:‏ توفي إمام الكلاسة الشيخ تاج الدين أبو الحسن محمد بن أبي جعفر مسند وقته، وشيخ الحديث في زمانه رواية وصلاحاً رحمه الله تعالى‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/200‏)‏

والمحدثان الكبيران الحافظان المفيدان شرف الدين أحمد بن الجوهري وتاج الدين عبد الجليل الأبهري‏.‏

 ثم دخلت سنة أربع وأربعين وستمائة

فيها‏:‏ كسر المنصور الخوارزمية عند بحيرة حمص واستقرت يد نواب الصالح أيوب على دمشق وبعلبك وبصرى‏.‏

ثم في جمادى الآخرة كسر فخر الدين بن الشيخ الخوارزمية على الصلت كسرت فرق بقية شملهم‏.‏

ثم حاصر الناصر بالكرك ورجع عنه إلى دمشق‏.‏

وقدم الصالح أيوب إلى دمشق في ذي القعدة فأحسن إلى أهلها وتسلم هذه المدن المذكورة، وانتزع صرخد من يد عز الدين أيبك، وعوضه عنها، وأخذ الصلت من الناصر داود بن المعظم وأخذ حصن الصبية من السعيد بن العزيز بن العادل، وعظم شأنه جداً، وزار في رجوعه بيت المقدس وتفقد أحواله وأمر بإعادة أسواره أن تعمر كما كانت في الدولة الناصرية، فاتح القدس، وأن يصرف الخراج وما يتحصل من غلات بيت المقدس في ذلك‏.‏

وإن عاز شيئاً صرفه من عنده‏.‏

وفيها‏:‏ قدمت الرسل من عند البابا الذي للنصارى تخبر بأنه قد أباح دم الأبدور ملك الفرنج لتهاونه في قتال المسلمين، وأرسل طائفة من عنده ليقتلوه، فلما انتهوا إليه كان استعد لهم وأجلس مملوكاً له على السرير فاعتقدوه الملك فقتلوه، فعند ذلك أخذهم الأبدور فصلبهم على باب قصره بعد ما ذبحهم وسلخهم وحشى جلودهم تبناً، فلما بلغ ذلك البابا أرسل إليه جيشاً كثيفاً لقتاله فأوقع الله الخلف بينهم بسبب، ذلك وله الحمد والمنة‏.‏

وفيها‏:‏ هبت رياح عاصفة شديدة بمكة في يوم الثلاثاء من عشر ربيع الآخر، فألقت ستارة الكعبة المشرفة، وكانت قد عتقت، فإنها من سنة أربعين لم تجدد لعدم الحج في تلك السنين من ناحية الخليفة، فما سكنت الريح إلا والكعبة عريانة قد زال عنها شعار السواد‏.‏

وكان هذا فألاً على زوال دولة بني العباس، ومنذراً بما سيقع بعد هذا من كائنة التتار لعنهم الله تعالى‏.‏

فاستأذن نائب اليمن عمر بن سول شيخ الحرم العفيف بن منعة في أن يكسو الكعبة، فقال‏:‏ لا يكون هذا إلا من مال الخليفة، ولم يكن عنده مال فاقترض ثلاثمائة دينار واشترى ثياب قطن وصبغها سواداً وركب عليها طرازاتها العتيقة وكسى بها الكعبة ومكثت الكعبة ليس عليها كسوة إحدى وعشرين ليلة‏.‏

وفيها‏:‏ فتحت دار الكتب التي أنشأها الوزير مؤيد الدين محمد بن أحمد العلقمي بدار الوزارة، وكانت في نهاية الحسن، ووضع فيها من الكتب النفيسة والنافعة شيء كثير، وامتدحها الشعراء بأبيات وقصائد حساناً وفي أواخر ذي الحجة طهر الخليفة المستعصم بالله ولديه الأميرين أبا العباس أحمد، وأبا الفضائل عبد الرحمن، وعملت ولائم فيها كل أفراح ومسرة، لا يسمع بمثلها من أزمان متطاولة، وكان ذلك وداعاً لمسرات بغداد وأهلها في ذلك الزمان‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/201‏)‏

وفيها‏:‏ احتاط الناصر داود صاحب الكرك على الأمير عماد الدين داود بن موسك بن حسكو، وكان من خيار الأمراء الأجواد واصطفى أمواله كلها وسجنه عنده في الكرك، فشفع فيه فخر الدين ابن الشيخ لما كان محاصره في الكرك فأطلقه، فخرجت في حلقه جراحة فبطها فمات، ودفن عند قبر جعفر والشهداء بمؤتة رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها‏:‏ توفي ملك الخوارزمية قبلاً بركات خان لما كسرت أصحابه عند بحيرة حمص كما تقدم ذكره‏.‏  وفيها توفي‏:‏

 الملك المنصور

ناصر الدين إبراهيم بن الملك المجاهد أسد الدين شيركوه صاحب حمص بدمشق، بعد أن سلم بعلبك للصالح أيوب، ونقل إلى حمص، وكان نزوله أولاً ببستان أسامة فلما مرض حمل إلى الدهشة بستان الأشرف بالنيرب فمات فيه‏.‏ وفيها توفي‏:‏

 الصائن محمد بن حسان

ابن رافع العامري الخطيب، وكان كثير السماع مسنداً، وكانت وفاته بقصر حجاج رحمه الله تعالى‏.‏ وفيها توفي‏:‏

 الفقيه العلامة محمد بن محمود بن عبد المنعم

المرامي الحنبلي وكان فاضلاً ذا فنون، أثنى عليه أبو شامة‏.‏

قال‏:‏ صحبته قديما ولم يترك بعده بدمشق مثله في الحنابلة‏.‏

وصُلي عليه بجامع دمشق، ودفن بسفح قاسيون رحمه الله‏.‏

 والضياء عبد الرحمن الغماري

المالكي الذي ولي وظائف الشيخ أبي عمرو ابن الحاجب حين خرج من دمشق سنة ثمان وثلاثين، وجلس في حلقته ودرس مكانه بزاوية المالكية، والفقيه تاج الدين إسماعيل بن جميل بحلب، وكان فاضلاً ديناً سليم الصدر، رحمه الله‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/202‏)‏

 ثم دخلت سنة خمس وأربعين وستمائة

فيها‏:‏ كان عود السلطان الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل من الشام إلى الديار المصرية، وزار في طريقه بيت المقدس وفرق في أهله أموالاً كثيرة، وأمر بإعادة سوره كما كان في أيام عم أبيه الملك الناصر فاتح القدس‏.‏

ونزل الجيوش لحصار الفرنج، ففتحت طبرية في عاشر صفر، وفتحت عسقلان في أواخر جمادى الآخرة، وفي رجب عزل الخطيب عماد الدين داود بن خطيب بيت الآبار عن الخطابة بجامع الأموي، وتدريس الغزالية، وولي ذلك للقاضي عماد الدين بن عبد الكريم بن الحرستاني شيخ دار الحديث بعد ابن الصلاح‏.‏

وفيها‏:‏ أرسل الصالح أيوب يطلب جماعة من أعيان الدماشقة اتهموا بممالأة الصالح إسماعيل، منهم القاضي محي الدين بن الزكي، وبنو صصرى، وابن العماد الكاتب، والحليمي مملوك الصالح إسماعيل، والشهاب غازي والي بصرى، فلما وصلوا إلى مصر لم يكن إليهم شيء من العقوبات والإهانة؛ بل خلع على بعضهم وتركوا باختيارهم مكرمين‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 الحسين بن الحسين بن علي

ابن حمزة العلوي الحسيني، أبو عبد الله الأفساسي النقيب قطب الدين، أصله من الكوفة، وأقام ببغداد، وولي النقابة، ثم اعتقل بالكوفة وكان فاضلاً أديباً شاعراً مطبقاً‏.‏

أورد له ابن الساعي أشعاراً كثيرة رحمه الله‏.‏

 الشلوبين النحوي

هو عمر بن محمد بن عبد الله الأزدي، أبو علي الأندلسي الأشبيلي المعروف‏:‏ بالشلوبين‏.‏

وهو بلغة الأندلسيين الأبيض الأشقر‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ ختم به أئمة النحو، وكان فيه تغفل، وذكر له شعراً ومنصفات منها‏:‏ ‏(‏شرح الجزولية‏)‏ وكتاب ‏(‏التوطئة‏)‏ وأرخ وفاته بهذه السنة‏.‏ وقد جاوز الثمانين رحمه الله تعالى وعفا عنه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/203‏)‏

 الشيخ علي المعروف بالحريري

أصله من قرية بسر شرقي ذرع، وأقام بدمشق مدة يعمل صنعة الحرير، ثم ترك ذلك وأقبل يعمل الفقيري على يد الشيخ علي المغربل، وابتنى له زاوية على الشرف القبلي، وبدرت منه أفعال أنكرها عليه الفقهاء، كالشيخ عز الدين بن عبد السلام، والشيخ تقي الدين ابن الصلاح، والشيخ أبي عمرو بن الحاجب شيخ المالكية وغيرهم‏.‏

فلما كانت الدولة الأشرفية حبس في قلعة عزتا مدة سنين، ثم أطلقه الصالح إسماعيل واشترط عليه أن لا يقيم بدمشق، فلزم بلده بسر مدة حتى كانت وفاته في هذه السنة‏.‏

قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة في ‏(‏الذيل‏)‏‏:‏ وفي رمضان أيضاً توفي الشيخ على المعروف بالحريري المقيم بقرية بسر في زاويته، وكان يتردد إلى دمشق، وتبعه طائفة من الفقراء وهم المعروفون‏:‏ بأصحاب الحريري أصحاب المنافي للشريعة، وباطنهم شر من ظاهرهم، إلا من رجع إلى الله منهم‏.‏

وكان عند هذا الحريري من الاستهزاء بأمور الشريعة والتهاون فيها من إظهار شعائر أهل الفسوق والعصيان شيء كثير، وانفسد بسببه جماعة كبيرة من أولاد كبراء دمشق، وصاروا على زي أصحابه، وتبعوه بسبب أنه كان خليع العذار، يجمع مجلسه الغنا الدائم والرقص والمردان، وترك الإنكار على أحد فيما يفعله، وترك الصلوات وكثرت النفقات، فأضل خلقاً كثيراً وأفسد جماً غفيراً، ولقد أفتى في قتله مراراً جماعة من علماء الشريعة، ثم أراح الله تعالى منه‏.‏ هذا لفظه بحروفه‏.‏

واقف العزية الأمير عز الدين أيبك

أستاذ دار المعظم، كان من العقلاء الأجواد الأمجاد، استنابه المعظم على صرخد وظهرت منه نهضة وكفاية وسداد، ووقف العزيتين الجوانية والبرانية، ولما أخذ منه الصالح أيوب صرخد عوضه عنها وأقام بدمشق، ثم وشي عليه بأنه يكاتب الصالح إسماعيل فاحتيط عليه وعلى أمواله وحواصله، فمرض وسقط إلى الأرض، وقال‏:‏ هذا آخر عهدي‏.‏

ولم يتكلم حتى مات ودفن بباب النصر بمصر رحمه الله تعالى، ثم نقل إلى تربته التي فوق الوراقة‏.‏

وإنما أرخ السبط وفاته في سنة سبع وأربعين، فالله أعلم‏.‏

 الشهاب غازي بن العادل

صاحب ميافارقين وخلاط وغيرهما من البلدان، كان من عقلاء بني أيوب وفضلائهم، وأهل الديانة منهم، ومما أنشد قوله‏:‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 13/204‏)‏

ومن عجب الأيام أنك جالس * على الأرض في الدنيا وأنت تسير

فسيرك يا هذا كسير سفينة * بقوم جلوس والقلوع تطير

 ثم دخلت سنة ست وأربعين وستمائة

‏:‏ فيها‏:‏ قدم السلطان الصالح نجم الدين من الديار المصرية إلى دمشق، وجهز الجيوش والمجانيق إلى حمص، لأنه كان صاحبها الملك الأشرف بن موسى بن المنصور بن أسد الدين قد قايض بها إلى تل باشر لصاحب حلب الناصر يوسف بن العزيز، ولما علمت الحلبيون بخروج الدماشقة، برزوا أيضاً في جحفل عظيم ليمنعوا حمص منهم‏.‏

واتفق الشيخ نجم الدين البادزاي مدرس النظامية ببغداد في رسالة فأصلح بين الفريقين، ورد كلاً من الفئتين إلى مستقرها ولله الحمد‏.‏

وفيها‏:‏ قتل مملوك تركي شاب صبي لسيده علي دفعه عنه لما أراد به من الفاحشة، فصلب الغلام مسمراً، وكان شاباً حسناً جداً فتأسف الناس له لكونه صغيراً ومظلوماً وحسناً، ونظموا فيه قصائد، وممن نظم فيه الشيخ شهاب الدين أبو شامة في ‏(‏الذيل‏)‏، وقد أطال قصته جداً‏.‏

وفيها‏:‏ سقطت قنطرة رومية قديمة البناء بسوق الدقيق من دمشق، عند قصر أم حكيم، فتهدم بسببها شيء كثير من الدور والدكاكين، وكان سقوطها نهاراً‏.‏

وفي ليلة الأحد الخامس والعشرين من رجب وقع حريق بالمنارة الشرقية، فأحرق جميع حشوها، وكانت سلالمها سقالات من خشب، وهلك للناس ودائع كثيرة كانت فيها، وسلم الله الجامع وله الحمد‏.‏

وقدم السلطان بعد أيام إلى دمشق فأمر بإعادتها كما كانت‏.‏

قلت‏:‏ ثم احترقت وسقطت بالكلية بعد سنة أربعين وسبعمائة، وأعيدت عمارتها أحسن مما كانت ولله الحمد‏.‏

وبقيت حينئذ المنارة البيضاء الشرقية بدمشق، كما نطق به الحديث في نزول عيسى عليه السلام عليها، كما سيأتي بيانه وتقريره في موضعه إن شاء الله تعالى‏.‏

ثم عاد السلطان الصالح أيوب مريضاً في محفة إلى الديار المصرية وهو ثقيل مدنف، شغله ما هو فيه عن أمره بقتل أخيه العادل أبي بكر بن الكامل الذي كان صاحب الديار المصرية بعد أبيه، وقد كان سجنه سنة استحوذ على مصر، فلما كان في هذه السنة في شوالها أمر بخنقه فخنق بتربة شمس الدولة، فما عمر بعده إلا إلى النصف من شعبان في العام القابل في أسوأ حال، وأشد مرض، فسبحان من له الخلق والأمر‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/205‏)‏

 وفيها‏:‏ كانت وفاة قاضي القضاة بالديار المصرية‏:‏

 فضل الدين الخونجي

الحكيم المنطقي البارع في ذلك، وكان مع ذلك جيد السيرة في أحكامه‏.‏

قال أبو شامة‏:‏ أثنى عليه غير واحد‏.‏

علي بن يحيى جمال الدين أبو الحسن المحرمي

كان شاباً فاضلاً أديباً شاعراً ماهراً، صنف كتاباً مختصراً وجيزاً جامعاً لفنون كثيرة في الرياضة والعقل وذم الهوى، وسماه‏:‏ ‏(‏نتائج الأفكار‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فيه من الكلم المستفادة الحكمية‏:‏ السلطان إمام متبوع، ودين مشروع، فإن ظلم جارت الحكام لظلمه، وإن عدل لم يجر أحد في حكمه، من مكنه الله في أرضه وبلاده وائتمنه على خلقه وعباده، وبسط يده وسلطانه، ورفع محله ومكانه، فحقيق عليه أن يؤدي الأمانة، و يخلص الديانة، ويجمل السريرة، ويحسن السيرة، ويجعل العدل دأبه المعهود، والأجر غرضه المقصود، فالظلم يزل القدم، ويزيل النعم، ويجلب الفقر، ويهلك الأمم‏.‏

وقال أيضاً‏:‏ معارضة الطبيب توجب التعذيب، رُبَّ حيلة أنفع من قبيلة، سمين الغضب مهزول، ووالي الغدر معزول، قلوب الحكماء تستشف الأسرار من لمحات الأبصار، ارض من أخيك في ولايته بعشر ما كنت تعهده في مودته، التواضع من مصائد الشرف‏.‏

ما أحسن حسن الظن لولا أن فيه العجز، ما أقبح سوء الظن لولا أن فيه الحزم‏.‏

وذكر في غضون كلامه‏:‏ أن خادماً لعبد الله بن عمر أذنب فأراد ابن عمر أن يعاقبه على ذنبه، فقال‏:‏

يا سيدي، أما لك ذنب تخاف من الله فيه ‏؟‏‏.‏

قال‏:‏ بلى‏.‏

قال‏:‏ بالذي أمهلك لما أمهلتني، ثم أذنب العبد ثانياً فأراد عقوبته فقال له مثل ذلك فعفا عنه، ثم أذنب الثالثة فعاقبه وهو لا يتكلم فقال له ابن عمر‏:‏ مالك لم تقل مثل ما قلت في الأولتين ‏؟‏‏.‏

فقال‏:‏ يا سيدي، حياء من حلمك مع تكرار جرمي‏.‏

فبكى ابن عمر وقال‏:‏ أنا أحق بالحياء من ربي، أنت حر لوجه الله تعالى‏.‏

ومن شعره يمدح الخليفة‏:‏

يا من إذا بخل السحاب بمائه * هطلت يداه على البرية عسجدا

جورت كسرى يا مبخل حاتم * فغدت بنو الآمال نحوك سجدا

وقد أورد له ابن الساعي أشعاراً كثيرة حسنة رحمه الله تعالى‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 13/206‏)‏ 0

 الشيخ أبو عمرو بن الحاجب

المالكي عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس الرويني ثم المصري، العلامة أبو عمرو شيخ المالكية كان أبوه صاحباً للأمير عز الدين موسك الصلاحي، واشتغل هو بالعلم فقرأ القراءات وحرر النحو تحريراً بليغاً، وتفقه وساد أهل عصره‏.‏

ثم كان رأساً في علوم كثيرة، منها الأصول والفروع والعربية والتصريف والعروض والتفسير وغير ذلك‏.‏

وقد كان استوطن دمشق في سنة سبع عشرة وستمائة، ودرس بها للمالكية بالجامع حتى كان خروجه بصحبة الشيخ عز الدين بن عبد السلام في سنة ثمان وثلاثين، فصارا إلى الديار المصرية حتى كانت وفاة الشيخ أبي عمرو في هذه السنة بالإسكندرية، ودفن بالمقبرة التي بين المنارة والبلد‏.‏

قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة‏:‏ وكان من أذكى الأئمة قريحة، وكان ثقة حجة متواضعاً عفيفاً كثير الحياء منصفاً محباً للعلم وأهله، ناشراً له محتملاً للأذى صبوراً على البلوى، قدم دمشق مراراً آخرها سنة سبع عشرة، فأقام بها مدرساً للمالكية وشيخاً للمستفيدين عليه في علمي القراءات والعربية‏.‏

وكان ركناً من أركان الدين في العلم والعمل، بارعاً في العلوم متقناً لمذهب مالك بن أنس رحمه الله تعالى‏.‏

وقد أثنى عليه ابن خلكان ثناء كثيراً، وذكر أنه جاء إليه في أداء شهادة حين كان نائباً في الحكم بمصر وسأله عن مسألة اعتراض الشرط على الشرط، إذا قال‏:‏

إن أكلتِ إن شربتِ فأنتِ طالق، لم كان يقع الطلاق حين شربت أولاً‏؟‏ وذكر أنه أجاب عن ذلك في تؤده وسكون‏.‏

قلت‏:‏ ومختصره في الفقه من أحسن المختصرات، انتظم فيه فوائد ابن شاش، ومختصره في أصول الفقه، استوعب فيه عامة فوائد الأحكام لسيف الدين الآمدي، وقد منّ الله تعالى عليّ بحفظه وجمعت كراريس في الكلام على ما أودعه فيه من الأحاديث النبوية، ولله الحمد‏.‏

وله شرح المفصل والأمالي في العربية والمقدمة المشهورة في النحو، اختصر فيها مفصل الزمخشري وشرحها، وقد شرحها غيره أيضاً، وله التصريف وشرحه، وله عروض على وزن الشاطبية رحمه الله ورضى عنه‏.‏

 ثم دخلت سنة سبع وأربعين وستمائة

فيها‏:‏ كانت وفاة الملك الصالح أيوب، وقتل ابنه توران شاه وتوليه المعز عز الدين أيبك التركماني‏.‏

وفي رابع المحرم يوم الاثنين توجه الملك الصالح من دمشق إلى الديار المصرية في محفة‏.‏ قاله ابن السبط‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/207‏)‏

وكان قد نادى في دمشق‏:‏ من له عندنا شيء فليأت، فاجتمع خلق كثير بالقلعة، فدفعت إليهم أموالهم وفي عاشر صفر دخل إلى دمشق نائبها الأمير جمال الدين بن يغمور من جهة الصالح أيوب فنزل بدرب الشعارين داخل باب الجابية‏.‏

وفي جمادى الآخرة أمر النائب بتخريب الدكاكين المحدثة وسط باب البريد، وأمر أن لا يبقى فيها دكان سوى ما في جانبيه إلى جانب الخياطين القبلي والشامي، وما في الوسط يهدم‏.‏

قال أبو شامة‏:‏ وقد كان العادل هدم ذلك ثم أعيد ثم هدمه ابن يغمور، والمرجو استمراره على هذه الصفة‏.‏

وفيها‏:‏ توجه الناصر داود من الكرك إلى حلب فأرسل الصالح أيوب إلى نائبه بدمشق جمال الدين بن يغمور بخراب دار أسامة المنسوبة إلى الناصر بدمشق، وبستانه الذي بالقابون، وهو بستان القصر، وأن تقلع أشجاره ويخرب القصر، وتسلم الصالح أيوب الكرك من الأمجد حسن بن الناصر‏.‏

وأخرج من كان بها من بيت المعظم، واستحوذ على حواصلها وأموالها، فكان فيها من الذهب ألف ألف دينار، وأقطع الصالح الأمجد هذا إقطاعاً جيداً‏.‏

وفيها‏:‏ طغى الماء ببغداد حتى أتلف شيئاً كثيراً من المحال والدور الشهيرة، وتعذرت الجمع في أكثر الجوامع بسبب ذلك سوى ثلاث جوامع، ونقلت توابيت جماعة من الخلفاء إلى الترب من الرصافة خوفاً عليهم من أن تغرق محالهم، منهم المقتصد بن الأمير أبي أحمد المتوكل، وذلك بعد دفنه بنيف وخمسين سنة وثلاثمائة سنة، وكذا نقل ولده المكتفي وكذا المقتفي بن المقتدر بالله رحمهم الله تعالى‏.‏

وفيها‏:‏ هجمت الفرنج على دمياط فهرب من كان فيها من الجند والعامة واستحوذ الفرنج على الثغر وقتلوا خلقاً كثيراً من المسلمين، وذلك في ربيع الأول منها، فنصب السلطان المخيم تجاه العدو بجميع الجيش، وشنق خلقاً ممن هرب من الفرنج، ولامهم على ترك المصابرة قليلاً ليرهبوا عدو الله وعدوهم، وقوى المرض وتزايد بالسلطان جداً‏.‏

فلما كانت ليلة النصف من شعبان توفي إلى رحمة الله تعالى بالمنصورة، فأخفت جاريته أم خليل المدعوة شجرة الدر موته‏.‏

وأظهرت أنه مريض مدنف لا يوصل إليه، وبقيت تعلم عنه بعلامته سواء‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/208‏)‏

وأعلمت إلى أعيان الأمراء فأرسلوا إلى ابنه الملك المعظم توران شاه وهو بحصن كيفا، فأقدموه إليهم سريعاً، وذلك بإشارة أكابر الأمراء منهم فخر الدين ابن الشيخ، فلما قدم عليهم ملكوه عليهم وبايعوه أجمعين، فركب في عصائب الملك وقاتل الفرنج فكسرهم وقتل منهم ثلاثين ألفاً ولله الحمد‏.‏

وذلك في أول السنة الداخلة‏.‏

ثم قتلوه بعد شهرين من ملكه، ضربه بعض الأمراء وهو عز الدين أيبك التركماني فضربه في يده فقطع بعض أصابعه فهرب إلى قصر من خشب في المخيم فحاصروه فيه وأحرقوه عليه، فخرج من بابه مستجيراً برسول الخليفة فلم يقبلوا منه، فهرب إلى النيل فانغمر فيه ثم خرج فقتل سريعاً شر قتلة وداسوه بأرجلهم ودفن كالجيفة، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

وكان فيمن ضربه البندقداري على كتفه فخرج السيف من تحت إبطه الآخر وهو يستغيث فلا يغاث‏.‏

 وممن قتل في هذه السنة‏:‏

 فخر الدين يوسف بن الشيخ بن حمويه

وكان فاضلاً ديناً مهيباً وقوراً خليقاً بالملك، كانت الأمراء تعظمه جداً ولو دعاهم إلى مبايعته بعد الصالح لما اختلف عليه اثنان، ولكنه كان لا يرى ذلك حماية لجانب بني أيوب، قتلته الداوية من الفرنج شهيداً قبل قدوم المعظم توران شاه إلى مصر، في ذي القعدة‏.‏

ونهبت أمواله وحواصله وخيوله، وخربت داره ولم يتركوا شيئاً من الأفعال الشنيعة البشعة إلا صنعوه به، مع أن الذين تعاطوا ذلك من الأمراء كانوا معظمين له غاية التعظيم‏.‏ ومن شعره‏:‏

عصيت هو نفسي صغيراً فعندما * رمتني الليالي بالمشيب وبالكبر

أطعت الهوى عكس القضية ليتني * خلقت كبيراً ثم عدت إلى الصغر

 ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وستمائة

في ثالث المحرم يوم الأربعاء كان كسر المعظم توران شاه للفرنج على ثغر دمياط، فقتل منهم ثلاثين ألفاً وقيل مائة ألف، وغنموا شيئاً كثيراً ولله الحمد‏.‏

ثم قتل جماعة من الأمراء الذي أسروا، وكان فيمن أسر ملك الفرنسيس وأخوه، وأرسلت غفارة ملك الأفرنسيس إلى دمشق، فلبسها نائبها في يوم الموكب، وكانت من سقرلاط تحتها فروسنجاب، فأنشد في ذلك جماعة من الشعراء فرحاً بما وقع‏.‏

ودخل الفقراء كنيسة مريم فأقاموا بها فرحاً لما نصر الله تعالى على النصارى، وكادوا أن يخربوها وكانت النصارى ببعلبك فرحوا حين أخذت النصارى دمياط، فلما كانت هذه الكسرة عليهم سخموا وجوه الصور، فأرسل نائب البلد فجناهم وأمر اليهود فصفعوهم‏.‏

ثم لم يخرج شهر المحرم حتى قتل الأمراء ابن أستاذهم توران شاه، ودفنوه إلى جانب النيل من الناحية الأخرى رحمه الله تعالى ورحم أسلافه بمنه وكرمه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/209‏)‏

المعز عز الدين أيبك التركماني يملك مصر بعد بني أيوب

لما قتل الأمراء البحرية وغيرهم من الصالحية ابن أستاذهم المعظم غياث الدين توران شاه بن الصالح أيوب بن الكامل بن العادل أبي بكر بن نجم الدين أيوب، وكان ملكه بعد أبيه بشهرين كما تقدم بيانه، ولما انفصل مره بالقتل نادوا فيما بينهم لا باس لا بأس‏.‏

واستدعوا من بينهم الأمير عز الدين أيبك التركماني، فملكوه عليهم وبايعوه ولقبوه بالملك المعز، وركبوا إلى القاهرة‏.‏

ثم بعد خمسة أيام أقاموا لهم صبياً من بين أيوب ابن عشر سنين وهو الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن الناصر يوسف ابن المسعود إقسيس بن الكامل، وجعلوا المعز أتابكه فكانت السكة والخطبة بينهما، وكاتبوا أمراء الشام بذلك، فما تم لهم الأمر بالشام، بل خرج عن أيديهم ولم تستقر لهم المملكة إلا على الديار المصرية‏.‏

وكل ذلك عن أمر الخاتون شجرة الدر أم خليل حظية الصالح أيوب، فتزوجت بالمعز، وكانت الخطبة والسكة لها، يدعى لها على المنابر أيام الجمع بمصر وأعمالها، وكذا تضرب السكة باسمها أم خليل، والعلامة على المناشير والتواقيع بخطها واسمها، مدة ثلاثة أشهر قبل المعز‏.‏

ثم آل أمرها إلى ما سنذكره من الهوان والقتل‏.‏

الناصر بن العزيز بن الظاهر صاحب حلب يملك دمشق

لما وقع بالديار المصرية من قتل الأمراء للمعظم توران شاه بن الصالح أيوب ركب الجلبيون معهم ابن أستاذهم الناصر يوسف بن العزيز محمد بن الظاهر غازي بن الناصر يوسف فاتح بيت المقدس، ومن كان عندهم من ملوك بني أيوب منهم الصالح إسماعيل ابن العادل، وكان أحق الموجودين بالملك، من حيث السن والتعدد والحرمة والرياسة‏.‏

ومنهم الناصر داود بن المعظم بن العادل، والأشرف موسى بن المنصور إبراهيم بن أسد الدين شيركوه، الذي كان صاحب حمص وغيرهم، فجاؤوا إلى دمشق فحاصروها فملكوها سريعاً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/210‏)‏

ونهبت دار ابن يغمور وحبس في القلعة وتسلموا ما حولها كبعلبك وبصرى والصلت وصرخد، وامتنعت عليهم الكرك والشوبك بالملك المغيث عمر بن العادل بن الكامل، كان قد تغلب عليهما في هذه الفتنة حين قتل المعظم توران شاه، فطلبه المصريون ليملكوه عليهم فخاف مما حل بابني عمه، فلم يذهب إليهم ولما استقرت يد الحلبيين على دمشق وما حولها جلس الناصر في القلعة وطيب قلوب الناس‏.‏

ثم ركبوا إلى غزة ليتسلموا الديار المصرية، فبرز إليهم الجيش المصري فاقتتلوا معهم أشد القتال، فكسر المصريون أولاً بحيث إنه خطب للناصر في ذلك بها‏.‏

ثم كانت الدائرة على الشاميين فانهزموا وأسروا من أعيانهم خلقاً كثيراً، وعدم من الجيش الصالح إسماعيل رحمه الله تعالى، وقد أنشد هنا الشيخ أبو شامة لبعضهم‏:‏

ضيع إسماعيل أموالنا * وخرب المغنى بلا معنى

وراح من جلق هذا جزاء * من أفقر الناس وما استغنى

شيء من ترجمة الصالح إسماعيل واقف تربة الصالح

وقد كان الصالح رحمه الله ملكاً عاقلاً حازماً تتقلب به الأحوال أطواراً كثيرة، وقد كان الأشرف أوصى له بدمشق من بعده، فملكها شهوراً ثم انتزعها منه أخوه الكامل‏.‏

ثم ملكها من يد الصالح أيوب خديعة ومكراً، فاستمر فيها أزيد من أربع سنين‏.‏

ثم استعادها منه الصالح أيوب عام الخوارزمية سنة ثلاث وأربعين، واستقرت بيده بلداه بعلبك وبصرى‏.‏

ثم أخذتا منه كما ذكرنا، ولم يبق به بلد يأوي إليه، فلجأ إلى المملكة الحلبية في جوار الناصر يوسف صاحبها، فلما كان في هذه السنة ما ذكرنا عدم بالديار المصرية في المعركة فلا يدري ما فعل به والله تعالى أعلم‏.‏

وهو واقف التربة والمدرسة ودار الحديث والأفراء بدمشق رحمه الله بكرمه‏.‏

 وممن توفي في هذه السنة من الأعيان‏:‏

 الملك المعظم توران شاه بن الصالح أيوب

ابن الكامل ابن العادل، كان أولاً صاحب حصن كيفا في حياة أبيه، وكان أبوه يستدعيه في أيامه فلا يجيبه، فلما توفي أبوه كما ذكرنا استدعاه الأمراء فأجابهم وجاء إليهم فملكوه عليهم‏.‏

ثم قتلوه كما ذكرنا، وذلك يوم الاثنين السابع والعشرين من المحرم، وقد قيل إنه كان متخلفاً لا يصلح للملك، وقد رئي أبوه في المنام بعد قتل ابنه وهو يقول‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 13/211‏)‏

قتلوه شر قتلة * صار للعالم مثله

لم يراعوا فيه إلاّ * لا ولا من كان قبله

ستراهم عن قريب * لأقل الناس أكله

فكان كما ذكرنا من اقتتال المصريين والشاميين‏.‏

وممن عدم فيما بين الصفين من أعيان الأمراء والمسلمين فمنهم الشمس لؤلؤ مدبر ممالك الحلبيين، وكان من خيار عباد الله الصالحين الآمرين بالمعروف وعن المنكر ناهين‏.‏

وفيها كانت وفاة‏:‏

 الخاتون أرغوانية

الحافظية سميت الحافظية لخدمتها وتربيتها الحافظ، صاحب قلعة جعبر، وكانت امرأة عاقلة مدبرة عمرت دهراً ولها أموال جزيلة عظيمة، وهي التي كانت تصلح الأطعمة للمغيث عمر بن الصالح أيوب، فصادرها الصالح إسماعيل فأخذ منها أربعمائة صندوق من المال، وقد وقفت دارها بدمشق على خدامها، واشترت بستان النجيب ياقوت الذي كان خادم الشيخ تاج الدين الكندي، وجعلت فيه تربة ومسجداً، ووقفت فيه عليه أوقافاً كثيرة جيدة رحمها الله‏.‏

واقف الأمينية التي ببعلبك‏:‏

 أمين الدولة أبو الحسن غزال المتطبب

وزير الصالح إسماعيل أبي الجيش الذي كان مشؤوما على نفسه، وعلى سلطانه، وسبباً في زوال النعمة عنه وعن مخدومه، وهذا هو وزير السوء، وقد اتهمه السبط بأنه كان مستهتراً بالدين وانه لم يكن له في الحقيقة دين فأرح الله تعالى منه عامة المسلمين‏.‏

وكان قتله في هذه السنة لما عدم الصالح إسماعيل بديار مصر، عمد من عمد من الأمراء إليه وإلى ابن يغمور فشنقوهما وصلبوهما على القلعة بمصر متناوحين‏.‏

وقد وجد لأمين الدولة غزال هذا من الأموال والتحف والجواهر والأثاث ما يساوي ثلاثة آلاف ألف دينار، وعشرة آلاف مجلد بخط منسوب وغير ذلك من الخطوط النفيسة الفائقة‏.‏